اقتراح إصدار الأنظمة في المملكة العربية السعودية: فهم بنية الاقتراح والتشريع
- عمر المبدل
- 15 يونيو
- 4 دقيقة قراءة
المقدمة:
في ظل التحولات التنظيمية المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، بات من الضروري فهم الكيفية التي تُقترح بها الأنظمة، باعتبار ذلك أحد المفاتيح الجوهرية لفهم حركة الدولة وبنيتها التشريعية؛ فآلية اقتراح الأنظمة لا تعكس فقط توزيع الصلاحيات بين الجهات المختلفة، بل تعبّر أيضًا عن فلسفة تنظيمية تقوم على التدرج، والتخصص، والمشاركة المؤسسية. ويمثّل تحديد من يملك صلاحية اقتراح الأنظمة مدخلًا لفهم آلية التشريع في المملكة، وتوزيع الأدوار بين المؤسسات المختلفة. فصلاحية الاقتراح لا تُمنح لجميع الجهات على نحوٍ واحد؛ بل تخضع لتنظيم يُراعي موقع المُقترح، وطبيعة الموضوع محل الاقتراح، والنطاق النظامي الذي ينتمي إليه. ومن هنا، فإن معرفة من يملك هذه الصلاحية يسهم في بناء تصور أوضح لطبيعة العملية التشريعية، وحدودها، ومراكز المبادرة فيها.
الملك: السلطة العليا في المبادرة النظامية
لدى الملك، بصفته رأس الدولة ومرجع السلطات الثلاث، صلاحية سيادية في اقتراح الأنظمة، ولا يُشترط أن تكون المبادرة النظامية صادرة من جهة تشريعية أو تنفيذية عندما تصدر بتوجيه مباشر من المقام الكريم. إذ نصت المادة (55) من النظام الأساسي للحكم على أن الملك يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية، والأنظمة، والسياسة العامة للدولة، وتُعد توجيهات الملك وأوامره أحد المصادر الأساسية للتشريع والمبادرات التنظيمية في المملكة.
أعضاء مجلس الوزراء: بين الإطلاق والتقييد
يُعد مجلس الوزراء أحد أذرعة السلطة التنظيمية في المملكة، وتخول الأنظمة لأعضائه حق الاقتراح؛ إلا أن هذا الحق يختلف من حيث الأساس النظامي والقيود الواردة عليه، وذلك بحسب صفة العضو داخل المجلس:
1. الوزير المكلف بحقيبة وزارية يملك حقًا نظاميًا في اقتراح مشاريع الأنظمة، وذلك بشرط أن يكون المقترح مرتبطًا مباشرة بأعمال وزارته.
2. عضو مجلس الوزراء غير المكلّف بحقيبة وزارية، يملك حق اقتراح ما يراه مناسبًا للعرض والمناقشة في المجلس، وذلك مشروط بموافقة رئيس المجلس.
وقد نظّمت المادة (22) من نظام مجلس الوزراء هذه التفرقة بوضوح إذ نصت على أنه "لكل وزير الحق بأن يقترح مشروع نظام أو لائحة يتعلق بأعمال وزارته. كما يحق لكل عضو من أعضاء مجلس الوزراء أن يقترح ما يرى مصلحة من بحثه في المجلس بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء." وذلك يبرز الدقة التي تعتمدها المملكة في توزيع صلاحيات الاقتراح، وتحقيق التوازن بين المرونة التنظيمية والانضباط المؤسسي.
مجلس الشورى: انتقال من مبادرة الأفراد إلى صلاحية المجلس
يُعد مجلس الشورى -إلى جانب مجلس الوزراء- أحد الأذرعة التنظيمية في المملكة، وقد خُوّل بموجب نظامه صلاحية اقتراح إصدار الأنظمة، إذ مُنح هذه الصلاحية بموجب المادة (23) من نظامه، التي تنص على أنه "لمجلس الشورى اقتراح مشروع نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ، ودراسة ذلك في المجلس، وعلى رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك." وبموجب هذا النص، تُمارَس صلاحية الاقتراح بوصفها صلاحية مؤسسية للمجلس ككل، من خلال مداولاته الداخلية، وتُرفع النتائج إلى المقام الكريم.
الجدير بالذكر أن هذه الصيغة جاءت إثر تعديل سابق؛ إذ كانت المادة (23) قبل تعديلها تُجيز لأي عشرة أعضاء من المجلس أن يتقدموا بمقترح نظام أو تعديل، يُرفع إلى رئيس المجلس ومنه إلى الملك. ومع إعادة صياغة النص، أعيد بناء آلية الاقتراح لتكون محصورة باسم المجلس، بما يعكس توجهًا واضحًا نحو ترسيخ المسؤولية الجماعية، وتوحيد صوت المجلس ضمن إطار نظامي مؤسسي.
جهات حكومية ومجالس ولجان: صلاحيات مباشرة ومحددة في الاقتراح
لا يقتصر حق اقتراح الأنظمة على المجلسين فقط، بل قد يمتد إلى جهات حكومية بعينها، أو إلى الأجهزة الإدارية العليا في الجهات، بل وحتى إلى اللجان التي تنشأ لأغراض محددة، وذلك بحسب ما تحدده الأنظمة والتنظيمات والقرارات الصادرة بهذا الشأن.
أولًا: الصلاحية المؤسسية – ومثالها الهيئة السعودية للملكية الفكرية
منحت المادة الثالثة من تنظيم الهيئة صلاحية مباشرة في اقتراح الأنظمة، حيث جاء فيه: "اقتراح الأنظمة واللوائح المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية." وهو نص يُخول الهيئة كجسم مؤسسي كامل، القيام بإعداد ورفع مشاريع الأنظمة ذات الصلة باختصاصها، مما يمنحها استقلالًا ومرونة في المبادرة النظامية.
ثانيًا: الصلاحية الإدارية – ومثالها مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية
نصت المادة الرابعة من نظام مكتبة الملك فهد الوطنية على أن هذه الصلاحية تعود لمجلس الأمناء، لا للمكتبة كمؤسسة، وجاء فيها "اقتراح الأنظمة الخاصة بالإيداع النظامي وحقوق الملكية الفكرية، وحماية التراث الفكري الوطني، وغير ذلك من الأنظمة ذات العلاقة بمجال عمل المكتبة." وهذا يوضح أن بعض الجهات تُقيّد حق الاقتراح بأن يكون صادرًا من الإدارة العليا فيها، ما يعكس نمطًا مختلفًا في منح صلاحية الاقتراح.
ثالثًا: الصلاحية التنظيمية – ومثالها لجنة المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات
قد تُمنح هذه الصلاحية أيضًا للجان تُشكّل بقرارات مجلس الوزراء. ومن الأمثلة على ذلك قرار مجلس الوزراء رقم (448) وتاريخ 10 /08 /1442هـ، القاضي بتشكيل لجنة تُعنى بالمسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، حيث نصت الفقرة (2) من القرار على أن اللجنة تتولى "اقتراح الأنظمة والتنظيمات واللوائح ذات الصلة بالمسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات." وهذا يعكس توسّع نطاق الجهات النظامية المخولة بالاقتراح، لتشمل كيانات تنظيمية مؤقتة أو دائمة، متى اقتضت الحاجة ذلك.
الخاتمة
تُظهر بنية توزيع صلاحية اقتراح الأنظمة في المملكة العربية السعودية أن النظام لا يكتفي بمنح جهة واحدة هذا الحق، بل يُراعي تعدد مستويات المبادرة بحسب طبيعة الجهة ومجال عملها. كما يتضح من النصوص النظامية، أن هناك تدرجًا مؤسسيًا يبدأ من قمة هرم السلطة (الملك)، ويمر عبر السلطات التنظيمية (مجلس الوزراء، مجلس الشورى)، ويصل إلى الهيئات واللجان المتخصصة، بما يعكس فلسفة نظامية تقوم على تحفيز المبادرة من القاعدة، دون الإخلال بالهيكلة المركزية للدولة.
المراجع النظامية:
# | الاسم | الرقم | التاريخ |
---|---|---|---|
1 | النظام الأساسي للحكم | أ/90 | 27/08/1412هـ |
2 | نظام مجلس الوزراء | أ/13 | 03/03/1414هـ |
3 | نظام مجلس الشورى | أ/91 | 27/08/1412هـ |
4 | نظام مكتبة الملك فهد الوطنية | م/9 | 13/05/1410هـ |
5 | تنظيم الهيئة السعودية للملكية الفكرية | 496 | 14/19/1439هـ |
6 | قرار مجلس الوزراء | 448 | 10/08/1442هـ |